الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

أوتار تبحث عن نغم (رواية)

الفصل الأول
..
كان يجلس وحيدا كعادته في أحد مقاهي وسط البلد الشهيرة يدخن سكائره يشرب شايه ..يعبث في دفتر مذكراته تارة و تارة أخرى ناظرا للجالسين عله يستمد منهم قصة جديدة .
لاحظ امتلاء المقهى ..عجبا لم يمتلئ بهذا القدر من قبل ..يبدو أن المطر فعل الأفاعيل بالناس فهرعوا إلى أقرب الأماكن
ظل يراقبهم بملل ..هناك من يعبث بشعر حبيبته مغازلا ..و آخر يحدي لصديقه عن آخر غزواته ..و من تشتكي لصديقتها من زوجها البخيل ..لاح شبح ابتسامة فوق شفته لكنه تجمد عندما رأها من باب المقهى الزجاجي تعبر الطريق ببطء شديد غير عابئة بالمطر المنهمر ترتدي قبعة تخفي نصف وجهها و معطف جلدي ثمين يخفي جسدها تماما ولا يعلم لماذا أنجذب لها فهي عادية لدرجة تثير الملل رغم أنه له ذوق غريب في اختيار نساءه إلا أنه لم يستطع أن يسلخ نظره عنها .
دخلت المقهى ملقية نظرة عامة ثم و بكل برود تقدمت من طاولته و قالت بصوت أحر من الشمس : أتسمح؟"
أرتبك لأول مرة في حياته هو ذو الخبرة في عالم النساء ! عجبا!
و قبل أن يجيبها سحبت كرسيا و جلست بمنتهى الوقاحة خالعة معطفها الأسود .
يا الله من قال أنها عادية لدرجة الملل ؟!! فهي .. لا توصف بالأخص عندما خلعت قبعتها .. ربما لم يكن بها شيء مميز لكنها جذبته إليها وجهها لا يحمل أثر للزينة سوى الكحل و قليل من أحمر الشفاه ..شعرها البني المائل للاحمرار كان مرفوعا فوق رأسها وقد هربت منه عدة خصلات مضفية على وجهها نضارة كبيرة .
تبدو في أوائل العشرينات ..لا حظ يدها فهي ترتدي مح0بسان للزفاف ..و رغم هذا 0لا ترتدي قرط !
أما عن ملابسها التي أخفاها المعطف فهي عبارة عن تنورة سوداء تصل إلى منتصف ساقها و قميص أبيض ضيق لا تشوبه شائبة و رابطة عنق سوداء حريرية ذات عقدة متراخية لم يحاول تحديد مهنتها لأنه لن يعرف ..
ارتفعت يدها لتعيد بعض خصلات شعرها خلف أذنها ..إن لها يد رائعة ذات أظافر مقلمة بشكل جيد غير مطلية تنم عن ثقة بالنفس علية .تقدم النادل منها واضعا فنجان من القهوة السوداء قائلا :تفضلي سيدتي "
انصرف النادل في حين أنها رمقت الرجل الجالس أمامها بنظرة عميقة و قالت فجأة :أهناك شئ؟!"
أربكه السؤال المفاجئ ..أجاب بصوت هادئ وقور : لم أفهم سؤالك سيدتي"
ضاقت عيناها بنظرة غريبة و قالت :أجدك تحدق بي ..هل بي شئ غير عادي ؟ ..لم آتي من المريخ للتو !"
غرت الابتسامة شفتيه و قال : ضعي نفسك مكاني شخص غريب يقتحم طاولتك المخصصة و بدون استأذان يجلس بمنتهى الوقاحة ..ماذا تفعلين ..تتلاشيه؟؟!"
ردت متعجبة :إذا كنت متضايق فبإمكانك المغادرة لا أجبرك على مشاركتي الطاولة ..ثم أنا جلست بسبب دعوتك لي "
اتسعت عيناه مدهوشًا : بحق الله من أين جئتِ لي ! تجلسين على طاولتي و تقولين أذهب أنت مستخدمة مبدأإذا أعجبك ..ثم مهلا ..أي دعوة هذه؟!"
رفعت عيناها مراقبة السقف و قالت : يجب أن تحضر معك مرآة ..فعندما دخلت وجدتك تحدق بي و في عينيك ألف دعوة , المقهى كما ترى ممتلئ و لم أتمكن سوى من تلبية دعوتك يا سيد أحمد"
قال كاذبا : لم أكن أنظر إليكِ ..ثم مهلا من أين لكِ باسمي؟!"
أشارت إلى دفتر مذكراته يبدو أنه كان يكتب أسمه و هو شارد
- هذا ليس دليلا على أنه أسمي"
قالت و هي ترشف من فنجان قهوتها : أحمد جمال مكتوب في دفتر مذكراتك و نظرت إلى حقيبتك حروف أسمك الأولى فوقها ربطت بين الأثنين و غامرت بألقاء الاسم"
نظر إلى حقيبته الجلدية التي تحتل الكرسي الثالث من الطاولة و قال مبتسما : هل أنتِ هكذا دائما قوية الملاحظة ؟!"
ابتسمت بجانب فمها : عندما يستحق الشيء عناء ملاحظتي"
-و هل أستحق عناء ملاحظتك؟!"
سأل متعجبا فهي لم تنظر له نظرة ذات أهميه من أن دخلت
أجابت بدهشة : ألا تنظر أبدا في المرآة يا رجل! ضع نفسك مكاني فتاة تدخل مقهى و أكثر الرجال وسامة يدعوها للجلوس أليس هذا يستحق العناء!"
-هل أنتِ دائما بهذا الصراحة الفجة ؟!"
رشفت من القهوة : أضع لنفسي قوانين الصراحة ..لا للدبلوماسية و الردود المائعة "
- لم أراكِ هنا من قبل "
- لا آتِ كثيراً ..لكني معروفة بذات المعطف الأسود"
- مصرية ؟!"
- لا أدري ..ولدت و تعلمت في مصر ..لكني أسافر كثيراً"
- مثلي تماما "
- لا لست مثلك ..أنا لست مثل أحد"
قال ساخرا : مغرورة "
ابتسمت : ربما ..إذا أردت اعتبارها هكذا و لكني أعتبرها نوع من الانفراد حتى لا أستطع أطلاق عليها ثقة"
- ما اسمك؟"
أجابت بلامبالاة : ليكن ..أوتار "
- لهذا تعتبرين نفسك فريدة ؟!"
أنكرت : لا ..لقد كان والدي موسيقي مهووس بالآلات الوترية"
- أول معلومة عنكِ"
- لن تجد الكثير"
- سأبحث حتى أجد "
بدا مهتما جدا بها ولا يدري ما السبب
- أوتار "
- ماذا ؟"
- لا شيء أجرب الاسم فقط "
ابتسمت بأغراء : و ما رأيك؟"
- سأخبرك فيما بعد "
- لن يكون هناك بعد "
- بلى سيكون "
- أواثق من نفسك؟!"
- ألا تستحق وسامتي ثقتي؟!"

لوت شفتيها ساخرة و قالت : ربما "
وضعت عملة ورقية فوق الطاولة و غادرت بصمت
ناداها ك أوتار "
لكنها لم تجب أو تلتفت
ظل يراقب مشيتها المثيرة ..هذه المرأة قادرة على رفع درجة حرارته.
لم يراها بعد ذلك و قد نساها أو تناساها لكنها دائما كانت تدخل إلى فكره وتما تشاء ولا يدري لماذا هذه الغريبة دونا عن نساء العالم.
و عندما قرر عدم التفكير بها مجددا لعب القدر لعبته .
يتبع

ليست هناك تعليقات: